اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 383
إذ هم رفقاؤنا معنا حين سرق ابنك وأخذوه مع انا قد اجتهدنا كثيرا ان يأخذوا أحدا منا بدله لم يقبلوا منا وقالوا لا نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده وان مضينا وقضينا بمقتضى مقترحكم نكون إذا من الظالمين بأخذ البرئ بدل الجاني مع ان أخانا يهودا اوروبيل قد تخلف عنا خوفا من الحنث واستحياء منك وَالله يا أبانا إِنَّا لَصادِقُونَ فيما حكينا لك عما جرى علينا ثم لما رجعوا الى أبيهم وقالوا له ما قالوا على التفصيل المذكور وسمع منهم يعقوب عليه السّلام ما سمع تأسف وتأوّه وبكى كثيرا
ثم قالَ من اين يعرف العزيز ان السارق يؤخذ بسرقته بَلْ سَوَّلَتْ زينت وحسنت لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً ان تفرقوا ابني عنى ظلما وعدوانا كما قد فرقتم أخاه فيما مضى فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وما امرى وشأنى في هذا ايضا الا صبر جميل إذ الصبر الجميل أجمل منى فيما فرطتم فيّ وفي ابنىّ ايها المفسدون المسرفون المفرطون عَسَى اللَّهُ الكريم الرّحيم المطلع بحالي وحزنى وبشدة كآبتى وكربتي أَنْ يَأْتِيَنِي بمقتضى لطفه وسعة جوده ورحمته بِهِمْ اى بيوسف وأخيه وبكبيركم المتخلف عنكم جَمِيعاً مجتمعين إِنَّهُ سبحانه بذاته هُوَ الْعَلِيمُ بمناجاة عباده وميلهم الى حاجاتهم الْحَكِيمُ في أفعاله على مقتضى مصالح عباده
وَبعد ما سمع منهم أبوهم ما سمع قد تَوَلَّى اعرض وانصرف عَنْهُمْ مغاضبا عليهم مشتكيا الى ربه من سوء فعالهم وَقالَ من شدة حزنه وكآبته ونهاية ضجرته على مفارقة ابنيه يا أَسَفى ويا حزنى وشدة بلائي ويا حسرتى وحرقة كبدي وبالجملة يا هلكتي تعالى إذ لم يبق بيني وبينك ما يبعّدك عنى ويبعّدني عنك سيما عَلى يُوسُفَ خصه بالذكر إذ هو عمدة محبته وزبدة مودته مع انه متردد في حياته وجازم بحياة الآخرين وَبالجملة لما تجاوز عن الحد ألمه وتطاول حزنه وأسفه قد ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ كثرة الْحُزْنِ والكآبة قبل فقدان هذين الاثنين فكيف بعد فقدانهما وبالجملة فَهُوَ في نفسه كَظِيمٌ مملو من الغيظ والأسف والحزن والبلاء كأنه مجسم منها متجرع انواع الغصص والألم من بنيه ثم لما رأى الناس منه ما رأوا من قلة الاكل والشرب وذوبان البدن ونقصان القوى البشرية والسهر المفرط واستمرار الحزن والأسف ودوام التأوه والتلهف
قالُوا متعجبين من حاله مقسمين على هلاكه تَاللَّهِ تَفْتَؤُا لا تزال تَذْكُرُ يُوسُفَ على هذا المنوال حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً مريضا مهزولا مدقوقا مشرفا على الهلاك أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ
ولما بالغوا في منعه عما عليه من الكآبة والحزن وكثرة التأوه والبكاءالَ
في جوابهم مستنكرا عليهم نَّما أَشْكُوا بَثِّي
وما أبث وابسط شكواي حُزْنِي
المفرط الخارج من حد التصبر الالَى اللَّهِ
المطلع لما في قلبي من الحرقة والا لم المفرط رجاء ان يزيل عنى ما يؤذيني ويوصلني بلطفه وجوده الى ما يسرني ويفرج همي عنى
اعلموا ايها اللائمون المبالغون في منعى انى بالهام الله إياي ووحيه الى عْلَمُ مِنَ
كرم لَّهِ
ومن سعة رحمته وجوده وفضله الا تَعْلَمُونَ
أنتم ايها اللائمون المبالغون بل انما حملني الله وازعجنى على بث الشكوى ونشر النجوى معه واظهار التذلل والخشوع والتضرع والخضوع نحوه حتى لا اقنط من ملاقاة يوسف ولا اترك المناجاة مع الله لأجله وان تطاولت المدة وتمادى الزمان ثم لما استروح يعقوب عليه السّلام من روح الله واستنشق من نسمات رحمته نادى بنيه نداء مرحمة واشفاق ليقبلوا اليه بعد ما ايسوا عنه وقنطوا من عطفه إذ هم قد بالغوا في سوء الأدب معه وإيقاعه بأنواع المحن والشدائد
فقال يا بَنِيَّ اذْهَبُوا الى مصر كرة اخرى فَتَحَسَّسُوا تفحصوا وتطلبوا اصالة مِنْ
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 383